-->

اخر الاخبار

جاري التحميل ...

الليبيون المرحلون إلى ايطاليا الجوانب المجهولة عن المقاومة الليبية



إن الهدف من البحث هو محاولة إعطاء دليل لظاهرة يفترض أن تكون ضئيلة، مقارنة بالتاريخ الكامل للإحتلال لليبيا، هذه الظاهرة هى ترحيل عدد كبير من الليبيين إلى إيطاليا فى تلك الأيام.لم تكن هذه الظاهرة موضوع بحث من ذى قبل ، إذ أن وجود المعارضين الليبيين والمكافحين الحقيقيين ضد الإستعمار فى العديد من السجون الإيطالية قد حظى بالإشارة إليه من قبل قلة من المؤرخين الذين كثيرا ً ماقللوا من شأن هذه الظاهرة وقوموَها زمن بداية الغزو الإيطالى الاستعمارى.

وبموافقة وزير الداخلية فى الإدارة العامة(Stabilimenti) باشرت بالقيام بهذه الدراسة فى أحد السجون الذى لا يزال يستعمل وهو فادجينيانا Favinana)) الواقع فى جزيرة فادجينيانا جنوب صقلية بمقاطعة ترابانى Trapani)) . إن مهمتى هى القيام ببحث فى تلك السجون حيث توجد آثار لهذا الوضع الذى من المفترض أن تكون له أهمية قيمة إذ امتدَ خلال الفترة من سنة 1911 إلى الحرب العالمية الثانية.إن مشكلة المساجين الليبيين تبدأ ببداية احتلال طرابلس عند نزول القوات ومعركة شارع الشط حيث بدأت المقاومة الشعبية ضد الإحتلال الإيطالى . فالناظر إلى حدث شارع الشط أو المتمعن فيه بدقة يرى أنه حدث تاريخى ذو أهمية بالغة إذ أن القتال منذ 23من أوكتوبر 1911 والمذابح التى حدثت فى الواحة الصغيرة بفعل الإحتلال الإيطالى الدامى العنيف قد شمل أوسع وأعم والذى لايمكن أن يكون له نهاية سواء بعد التطورات المؤسفة أو بعد عمر المختار(16من سبتمبر سمة 1931). لقد كان ترحيل الليبيين إلى السجون الإيطالية خلال الحرب الشعبية والدينية المسلحة هو أحد علامات الطريق الهامة فى هذا التاريخ بالرغم من أنها كثيرا ً ما أُهملت. لقد اتخذ القرار الإيطالى بترحيل المعارضين الليبيين فى اليوم التالى الليبيين فى اليوم التالى ضد بداية مذابح شارع الشط كرد فعل تجاه الرأى العام العالمى حول الإعدامات التى حدثت فى الضواحى ورد فعل للمخاوف من أن ردود الفعل هذه قد تستمر . حيث بعث رئيس الوزراء السيد جولييتى ببرقية إلى الجنرال كانيفا القائد العام للجيش الإيطالى للجيش الإيطالى فى طرابلس، طلب منه ترحيل المتمردين(المجاهدين) بدلاً من اعدامهم لقد كان هدف جولييتى واضحا ً، وهو بدلا ًمن إعدام المعارضين يرسلون إلى جزر تريمبتى Tremiti فى بحر الأدرياتيك واقترح عددا ً لا " يتجاوز 400" ، لقد كان يبدو من برقية جولييتى أن الوضع العام لم يكن واضحا ً:


" ت 27979(روما) 24 من أوكتوبر 1911، الساعة 16:45": من برقيتك لم يكن واضحا ً كيف تطور القتال الذى كلًف خسارة الضباط والجنود الذين ذكرتهم ..إنه من الضرورى لنا أن نحصل على معلومات دقيقة وكاملة لنمنع انتشار الأخبار الخاطئة فى إيطاليا وفى الخارج حيث يمكن اعتبارها هزيمة لنا وهو الواقع الذى ينزع الثقة منا. 

بالنسبة للمتمردين(المجاهدين) المعتقلين يجب ألا ينفذ إعدامهم هناك (أى ليبيا) سأرسلهم إلى جزر تريمبتى فى البحر الأدرياتيك مع أولئك الموجودين تحت الإقامة الجبرية. يمكنك توجيهيهم إلى هناك مباشرة مع إعلامى بمغاردتهم . وأن جزر"تريمبتى تستطيع استقبال (400) سجين . إنى مرسل إلى هناك مفتشا ً من الأمن العام(شرطة) لإعداد إقامتهم".


لقد كان يبدو وكأن هدف جوليتى أن يكون عدد المعتقلين محدودا ً وأن مدة إعتقالهم ستكون لفترة قصيرة ، إلا أن الحقيقة هى أن العدد تجاوز العدد المذكور ، وهو 400، بعشرة أضعاف وأن الإعتقال لم يشمل المتمردين(المجاهدين) من شارع الشط ، واكن ضم أيضا ً أولئك الذين كان لهم صلة بمقاومة الإحتلال فيما بعد فيما بعد وحتى قيام الحرب العالمية الثانية . إن المؤرخين أعاروا اهتماما ً ضئيلا ً للقصة المؤسفة الخاصة بهؤلاء المرحلين ولكنهم قد يهتمون مستقبلا ً بكتابة هذا التاريخ المضنى لليبيين المنفيين فى العالم منذ سنة 1911 وحتى الحرب العالمية الثانية التى كانت علامة هامة فى مقاومة الليبيين ضد الإحتلال . يمكننا أن نلاحظ فى المرحلة الأولى أى فى الفترة من سنة 1911 إلى بداية الحرب العالمية الأولى أن معظم المرحلين إلى إيطاليا كانوا من وسط المدينتين طرابلس وبنغازى ، وضواحيها. وبعد الحرب العالمية الأولى وعهد ستاتوتو.
أدت العمليات العسكرية المتواصلة إلى ترحيل عدد كبير إلى السجون الإيطالية من جميع المناطق الليبية التى تم احتلالها شيئا فشيئا ً من قبل القوات العسكرية وخاصة من فزان والمناطق الصحراوية ومن برقة . لقد أعطى قيام المقاومة فى الجبل الأخضر بقيادة عمر المختار فرصة لرجال السلطة أن يرحلوا أناسا ً آخرين إلى إيطاليا ثم تنفيذ أمر غراسيانى القاضى بطرد سكان برقة بالقوة والقسوة إلى معسكرات الإعتقال الجماعية فى ليبيا. والذى لم ينته سواء بإعدام عمر المختار أو حتى بعد إعلان نهاية المقاومة . وتحت ذرائع مختلفة استمرت سلطات الإحتلال الإيطالى فى ترحيل المعارضين إلى الجزر الواقعة فى جنوب إيطاليا حتى لقد كانت الوفيات فى تلك السجون متكررة تاركة مكانا ً للمرحلين الجدد. إن إعلان الأمبراطورية الإيطالية لم يضع نهاية لترحيل الليبيين وأحيانا ًكان عدم تقبل بعض الليبيين للإيطاليين ووجودهم المَر يؤخذ كذريعة جديدة لمزيد من الترحيل.إن هؤلاء المرحلين لعبوا دورا ً مثيرا ًفى تلك السجون، حيث التقى المرحلون الليبيون والإيطاليون المعارضون للفاشيست .إن مذكرات إن مذكرات السيد إسكالافينى (Scalavini) – وهو إشتراكى حقيقى –حول "العرب" لوئاثق مثيرة جدا ً تبين التضامن الذى تقوى بالحياة الصعبة التى عاشوها معاً،إذ أنه كثيرا ً ماكان الإيطاليون المعارضون للإحتلال مثل السيد اسكالافينى يشاطرون العرب حياتهم فى السجن ، أولئك العرب الذين كانوا ضحية "النظام الاستعمارى المنتصر".عندما نقرأ انطباعات السيد اسكالافينى مثلا ً عند وصوله إلى جزيرة أوستيكا (Ustica) فى 15 من مارس سنة 1927م نستطيع أن نشعر بتضامنه ومشاعره القلبية نحو الليبيين وكانت عباراته مركزة على طبيعة الاستعمار الحقيقية :"لقد رسينا بأوستيكا عند الساعة السادسة حيث كان فى انتظارنا بالشواطىء مجموعة من النزلاء كنت أعرف بعضهم جيدا ً، وكان هناك بعض من العرب ملتفين فى ثيابهم البيضاء وهم ليبيون منطوون على أنفسهم لأنهم لا يريدون التمشَى مع "الحضارة" الإيطالية .وفى الواقع عند الحديث عن ظاهرة الليبيين المرحلين إلى إيطاليا يواجه المرء العديد من المشاكل الصعبة الحل، أربع يسهل تعيينها: ومن هم؟ .. كم كان عددهم ؟ ..من أين رحلوا؟ إذ لايمكن الإجابة عنها كلية فى هذا البحث ، ولكن عند تعرضنا لهذه المشكلة فإننا مضطرون لمواجهتها. دعونا نحاول فوق كل هذا أن نعرض جوابا ً عن السؤال الأول. من المصادرالممكن العثور عليها يمكننا أن ندرس المصادر الصحفية ، لقد عرفنا فى البداية أن أولئك الليبيين المعارضين الذين كانت تهمتهم مشكوكا ًفيها وكان إعدامهم غير ممكن هم الذين أبعدوا.منذ معركة شارع الشط كان العرب المبعدون مضطهدين وكانوا يعاملون على أنهم أناس غير اجتماعيين ومدمنين للسرقة والنهب . إن جوزيبى بفيونى وهو صحفى يعمل فى صحيفة "لاستامبا" التى تصدر فى تورينو ، يعطينا فكرة عن هؤلاء وعما كانوا عليه . لقد كتب يقول:
" إن كل العرب الذين اكتشفت بحوزتهم أسلحة قبض عليهم وأوثقت أيديهم خلفهم وطوقت رقابهم بحبال كعلامة مميزة ، وكتب على (جرودهم) أو قمصانهم بقلم الرصاص الذى لايمحى اسم السلاح الذى اكتشف : بندقية ، مسدس ، خنجر..ألخ ..وسيقوا مئات مئات إلى المدينة وسط طوابير مزدوجة من الجنود الحاملين لبنادقهم ذات الحراب المذببة. إننا لم نرى قط أى شىء بائس ومشؤوم أكثر من تلك "القطعان" وهم مغطون بخرق يدفعهم جنودنا إلى الأمام برؤوس الحراب. كانت ثيابهم خلقة بالية . إنها"حثالة"البر وقد أطلقت ضدنا.كان هناك كثرة من الزنوج. لم هناك عربى واحد من بينهم فى حالة حسنة . لقد جنَد الأتراك من "أحط البشر" فى الريف…هؤلاء الناس المحتاجين ليهجموا علينا من الخلف". 

يمكن أن تعتبر هذه هى البداية الفعلية للنشاط الإيطالى العسكرى فى طرابلس.إن عدة تطورات يجب أن تحدث للوصول بنجاح إلى تحقيق مستعمرة فى ليبيا ومنها أبعاد المتمردين الليبيين ، هناك ثلاثة مراحل يمكن تحديدها وهى مرتبطة بثلاثة مراحل لإقصاء الليبيين.الأولى شارع الشط وتستمر حتى غزو الحدود الإيطالية خلال الحرب العالمية الأولى، والثانية توافق تركز الغزو الإيطالى الذى حدث فى الفترة ماقبل الفاشيست واستمرت إبان حكم الفاشيست (28من أكتوبر1922) وتواصلت حتى نهاية المقاومة الليبية (24ينايرسنة1932).الثالثة منذ النهاية الرسمية للمعارضة الليبية وفك الحصارعن معسكرات الإعتقال فى برقة إلى دخول إيطاليا فى الحرب العالمية الثانية(10من يونيو سنة 1940) وهى الفترة التى انتهى خلالها النظام الاستعمارى فى مايو سنة 1936).
إن هذه المراحل لابد أن نذكرها لأنها تعطى لنا فكرة تقريبية عن هوية الناس الذين أبعدوا، ففى المرحلة الأولى كانوا من طرابلس وقراها، وفى المرحلة الثانية كانوا من برقة وكانوا من الهابين ، وفى المرحلة الثالثة كانوا من جميع أنحاء ليبيا وينتمون إلى مناطق مختلفة.
إن الكيفية التى تم بها إالقاء القبض عليهم وقرار اقصائهم كان دائما ً يتبع نفس الأسلوب، حيث كان أولئك المشتبه فيهم من قبل بعض الإيطاليين أو المعتقلين من قبل الدوريات العسكرية الذين لا يوجد فى حوزتهم وثائق تعريف أو يحملون سلاحا ً أبيض(سكاكين)يقدمون للمحاكم العسكرية المشكَلة خصيصا ًحيث يصدر بشأنهم الحكم .أولئك الذين تثبت إدانتهم لحد ما يحكم عليهم بالقتل ، والآخرون الذين لم يتهموا بتهمة خطرة جدا ً غالبا ًما يحكم عليهم بالسجن لمدة تتراوح بين 5و10 سنوات، والإجراء الإعيتادى هو ابعادهم إلى إحدى "الجزر"وفيما يلى شهادة كتبها شاهد عيان إيطالى تبين ماحدث عندما كانوا يغادرون طرابلس 1912م:
"هناك ترحيلات كبيرة عند الليل من السجناء العرب إلى تريمتى. وعبر الطرق الخالية تحت الضوء الخافت المنبعث من بضعة مصابيح ورثت من قبل النظام السابق تمر" القطعان" الكئيبة محاطة بأعداد من الجنود الحراس ذوى البنادق المزودة بحراب مصوبة إلى ظهور السجناء، وكانت الشفرات تبرق فى الظلام . كان العرب يمشون مترسمين خطوات الجنود فى صمت كامل كالظلال وأقدامهم الحافية لاتثير أدنى ضجة. كانوا يلتزمون بقرب أحدهم من الآخر وكان الخلفى يمسك(بجرد) سابقه.
وبالرغم من أنهم يدلفون إلى مصير مجهول، فإنهم يشعرون بضرورة تماسك بعضهم ببعض بشدة مكونين قطعة واحدة مظهرين أنفسهم فى كتلة غير مبالية كقطيع عند الزوبعة.إنهم رجال فى مختلف الأعمار:المسنون ذوو الشعر الشائب،الشباب المرد ، الزنوج ذوو الوجوه المتجهمة ، والعرب ذوو التقاسيم الجميلة. لم يكونوا يحملون شيئا ً سوى الخرقة التى تغطيهم.لقد رأيت واحدا ً منهم يجر قطعة من الخشب من النوع الذى تقدم به الوجبة الوطنية(الكسكسى).كانوا يغادرون القصر قرب محطات التموين.كانوا يتجمعون على رصيف قصير معبد بالحجارة ممتد نحو البحرمنتظرين وصول رفاقهم قادمين من ثكنات الجيش أو من أبعد أماكن التجمع حيث كانوا قد وضعوا .إن ضوء السفن الكاشف الذى يغطى الشاطىء بدون انقطاع يسلط غالبا ً على التجمع الأبيض الهامد الذى يحتشد تحت الضوء المبهر الى يذهب بالأبصار.إن ماكان ظاه – كقطيع مرتبك تحول إلى أنوار، كان القطيع مكونا ً منها كأنما قوس قزح ، كل منهم يسعى للحظته الأخيرة ليسترجع شخصيته الجوهرية وأوصافه المنفردة التى تصبح مركزا ً عليها وابرزة كذلك التى تبدو على الممثل فى منظر تحت لعبة من أضواء المسرح الوهاجة.
لقد كانت وجوه الرجال المسنين التى لوحتها الشمس تبدو واضحة كل الوضوح وتبرز بها أصغر التجاعيد ، وعيون الشباب العميقة مظللة بأهدابها المقوسة مثلما يحدث عند شمس الظهيرة .إن ظل الحشد الهامد مسلط على حيطان القصر الرمادية اللون مشكلا ً أشكالاً منظمة بطريقة غير عادية تبدو كأنها جماعة ثانية أكثر هدوءا ً ونكدا ً من الجماعة الحقيقية وكأنهم جمهور من الأشباح نتجوا عن جمهور غفير من الأحياء..
يصل زورق بخارى ويهبط المرحلون واحدا ص تلو الآخر راكبين السفن الكبيرة الراسية تحت الأشعة الضوئية من الضوء الكاشف غير المسلط باستمرار عليهم..لقد امتلأت السفن ويسحبها الزورق ويجرها تحت الأضواء الكاشفة فى البحر الذى أصبح مليئا ًبأصوات هادئة وأضواء متقطعة".
إذا كانت هذه البداية ياترى فكم كان عدد الليبيين المبعدين الذين نقلوا إلى إيطاليا فى المراحل المختلفة؟ إنه لموضوع حساس أن يتناول ، إن معظم الإحصاءات الرسمية قلما تكون كاملة وكثيرا ً ماتظهر الأرقام الخاصة بواحد فقط من السجون العديدة أو الخاصة بسنة واحدة. يفضل أن نعالج المشكلة بشكل مختلف آخذين فى الإعتبار الجزر التى بها بدأت المعاناة الطويلة لهؤلاء الليبيين المبعدين. جزر تريميتى : وإليها أبعد أوائل المحكوم عليهم ولكن توجد وثائق قليلة عنها. هناك فرضية يمكن عرضها حول تريميتى: فبدلا ً من 400 من المبعدين حسبما ذكر جوليتى كان يوجد مابين ثلاثة إلى أربعة آلاف مبعد هنا.بونزا(Ponza):هى من أوائل الجزر التى أبعد إليها الليبيون منذ أول أبريل سنة 1913 وأول دفعة وصلت هناك فى ذات اليوم ولكن السجلات لم تتم دراستها بعد. سيكون من الضرورى إجراء بحث دقيق وهذا سيحتاج إلى وقت طويل جدا ًولكننا لن نكون بعيدين عن الحقيقة إذا قلنا: إن عدد المبعدين قد يكون بين ألفين وثلاثة آلاف.وفى سنة 1914 أسس سجن آخر بأوستيكا، وهناك أماكن أخرى من المنفى حيث يوجد ليبيون يعرف عنها القليل ولكنها مهمة كغيرها ، وهذه: فافينيانا Favignana وسيراكوزا SiracusaوفنتوتينىVentotene وليبارى LipariوجرجوناGorgona وكاسبرياCASERTA وصردينياSardegna وباليرموPalermoوجايت Gaeta وترابانى Trapani. وكلها أسست فى سنة 1913 وكلما ازدادت ازداد عدد المنافى.
إن التاريخ المتعلق بهذه السجون لم يتم بعد تأليفه، ولقد قمت بدراسة سجن فافينيانا Favignana وكانت النتائج مثيرة مما يجعل للباحث حافزا ًعلى الاستمرار فى البحث ، ويمكن أن تكون للإحصاءت قيمة فى مواقع أخرى للمنفى.فى معتقل فافنيانا اكتشفت ثلاثة سجلات لمحاضر الدخول فى السجن حيث البطاقات الشخصية لليبيين مازالت موجودة ، وهذه البطاقات خاصة بالفترة من 2 يناير 1916 إلى 30 من نوفمبر سنة 1919 ، لقد وجد عدد 1157 بطاقة تحكى التطورات التى طرأت على كل سجين ليبى، يبدو أن السجلات بدىء العمل بها عن العرب المحكوم عليهم فى 20من مارس 1914 .تعرض الليبيون لقوانين وقرارات كان معمولا ً بها بالنسبة لأولئك المحكوم عليهم فى تهم وجرائم ليست من هذا النوع من الإعتقال السياسى والأيديولوجى.إن قسوة وشدة قوانين السجن يمكن وجودها فى كل بطاقة تفحص :لقد كان الليبييون يحجزون فى زنزانات فريدة لخرقهم للقوانين أو السلوك وهذا الخرق للقوانين أو السلوك كان تافها ًويسبب انزعاجا ً. 

فى رأيى أن لوائح السجن هذه لا يمكن أن تثار ضد هؤلاء المساجين وتيبدو تعسفية لسببين:
(1)لأنهم سجناء سياسيون وأيديولوجيون ولم يكونوا مدانين لأسباب أو جرائم(باستثناء اثنين منهم ولا أدرى إذا كانت التهمة حقيقية أم لا).
(2)إن هذه الوائح المعمول بها للإيطاليين المحكوم عليهم ولا يمكن بأى حال أن تنطبق على هؤلاء المساجين غير الإيطاليين ولا أستطيع أن أفهم أن ماقاموا به هو خرق للوائح.إن الكثير يمكن أن يقال كيف استمر هذا الإحتجاز الذى كثيرا ًما امتد طيلة سنوات عديدة.فى مكتب السجلات التابع لوزارة أفريقيا الإيطالية يوجد هناك الكثيرحول الموضوع ولكن حسب علمى لم يجر سوى بحث واحد عن الإدارة العامة للشؤون المدنية التابعة لوزارة المستعمرات . كان هناك ماذكره المفتش روميو نابى Romeo Nappi بتاريخ 6 من فبرايرسنة 1915 حول بونزا بعنوان"ملاحظات قصيرة عن التسييرالإدارى لسجن بونزا مع اهتمام خاص حول إدارة العرب المرحلين".سوف أنقل من هذا المقال بعض الفقرات فقط ولكن يجب أن نتذكر أنه عندما أجرى ذلك البحث لم يكن هناك سوى 99 ليبيا، منهم 10 من طرابلس وبنغازى كلهم من الطبقة المتوسطة و89 بدوا ً رعاة.
-حالة الأكل:
إن التقرير غير مفصل ولكنه من المثير الإطلاع عليه:
"إن العشرة أشخاص الذين تسمح حالتهم المادية وأمكنهم الإعتماد على وسائلهم الخاصة تمكنوا من إعداد طعامهم فى حجرة منفصلة على حسابهم الخاص مزودين بالتوابل الخاصة بهم ، وكل الآخرين يتناولون الطعام الإعتيادى معدا ًمن قبلهم تحت مراقبة وكيل . إن الأكل مكَون من 750 جرام خبز فى اليوم الواحد و200 جرام من الحساء نوع مختلف كل يوم ، وفى يوم الجمعة يحصل العرب على قطعة إضافية من اللحم".
-الحالة العامة:إن السكن صعب جدا ً:
" إن العرب يعيشون حياة كسل مفروضة بالقوة ممايسبب لهم الكآبة جسمانيا ًويؤدى بهم إلى الكسل والإهمال فى نظافتهم . إن (العنبر) المشترك مكَون من حجرة واسعة مقسمة إلى 17 حجرة صغيرة مخصصة كل واحدة منها لستة أو سبعة عرب فى كل حجرة نوم، كل منفى له سرير مكون من لوحتين مسطحتين عليه محشو بالتين ووسادة هى الأخرى محشوة بالتين وشرشافان من القطن وفى الشتاء بطانية أو اثنان حسب الحاجة بينما فى الصيف يكون الغطاء من القطن.كل عربى له الحق فى منشف".
إن هذه الأوضاع التى أزعجت السيد ناب وأثارته –على مايبدو- كانت بسبب الممولين للسجون الذين لم يخلوا من الذنب. 
"ليس من المبالغ فيه أن يلاحظ فى هذا الخصوص أن دائرة الإحتلال (يعنى السجون) لم تمنح معظم العرب القمصان التى لهم الحق فيها نظرا ً لعدم توفرها فى المخازن".
إن آراء السيد نابى كانت نقدا ً شديدا ً لسلطات السجن ولكن اقتراحاته كانت هزيلة لأنها لم تكن تنطوى إلا على سكن جديد ودفع مقابل للعمل.إن اقتراحه بالنسبة للسكن كان مثيرا ً لدهشة فيما تنطوى فيما لو قورن بالموضوع ككل.
"إنه لمن اللائق أن تستبدل الأدوات الموجودة بالثكنة لتناسب البدو وأن يعطوا حصائرمن التبن بسيطة بدلا ً من الأسرة التى عليها فرش محشوة من التبن وشراشيف.إن هذا سيتمشى مع عاداتهم. وهنا يمكن استعمال الحصائرالمصنوعة فى طرابلس أو تاجوراء أو أفضل من هذا تلك المصنوعة فى مصراته التى يحبذونها وهى شديدة المقاومة إذ أنها مصنوعة بأيد نسائية بتاورغاء .إن هذه الحصائر شديدة المقاومة وقابلة للغسل بالماء وتستعمل فى كل من طرابلس وبرقة لتزيين بيوتهم وإنما تفرش أيضا ًمن قبل البدو فى خيامهم ومن قبل العرب الفقراء بالمدن إذ ينامون عليها فى الفنادق الصغيرة وفى الساحات التابعة لبيوت الفخمة لملاك الأرض.
وبتخصيص حصائر التبن للبدو بإمكاننا تحقيق توفير فى مصاريف المعدات وبدون شك نتمكن من تنظيف الحجرات المخصصة كعنابر بشكل أفضل والتخلص من المواد المتعبة التى بسبب عدم العناية بها حالة متواصلة من القاذورات.
ولكن سيكون من الضرورى إعطاء كل بدوى بطانيتين خلال فصل الشتاء بالإضافة إلى السروال والقميص مثلما لأولئك الذين يكونون تحت الإقامة الجبرية(أى السجناء السياسيون).
وبالنسبة للإقتراح الثانى ، فكان أن يعطى العرب فرصة للعمل عند كثير من ملاك الأراضى أو فى أحد المصانع المتخصصة فى السمك(أى فى فافنيانا).أنه يضع العرب فى حالة كأنهم مستغلون ولهم مزايا قليلة جدا ً(سيعطيهم العمل فرصة لكسب المال الكافى لشراء السجاير).
إن تقرير السيد نابى كان مثيرا ًبالرغم من أنه يتعلق ببعض من المنفيين فقط ويعطى موقعا ً واحدا ً من مواقع عديدة. وإنه يكشف مدى ضآلة الشمكلات وحلها السهل.
وفيما يخص بحثى فى فافنيايا من واقع البطاقات التى فحصتها هناك بعض الملاحظات يمكن تقديمها:- فى الفترة من 1915-1916 كان معدل الوفيات عاليا ً وبالنسبة لبعضها يصعب التسليم بأنها كانت بسبب الجو أو عدم التأقلم مع البيئة.إن ما أدهشنى هو أن الشباب كانوا يموتون أكثر من الكبار فى السن:مثلا ًرقم 731 عارم أبوغبية مواطن فلاح من درنة وعمره 35 سنة وكان محكوما ً عليه بثلاثة سنوات سجن من قبل المحكمة العسكرية فى درنة بتاريخ 18 من يونيو1915 لوجود ذخيرة فى حوزته ووصل إلى فافنيايا فى 30 من يناير سنة 1916 وقد مات بعد مضى شهرين من وصوله أى فى 30 من مارس سنة 1916، والقائمة يمكن أن تكون طويلة جدا ً.هناك بضع حالات يبدو مشتبها ً فيها مثل رقم 119 عبدالسلام بن عمر بن محمد الشيف وعمره 30 سنة من الأبيار (بنغازى) محكوم عليه بالسجن مدى الحياة بتهمة الخيانة من قبل المحكمة العسكرية فى بنغازى بتاريخ 14 من مايو 1915 الذى مات فى 30 من مايو سنة 1918 مباشرة بعد معاقبته بالسجن فى زنزانة انفرادية لمدة 15 يوما ً بتاريخ 7 من أبريل 1918.
إن الحالات متعددة ومن الصعب أن يعطى المرء تعليقات نهائية فاصلة.وفوق كل هذا يجب ألا ننسى اطلاق سراح المساجين أخيرا ً.قليل جدا ًمن الحالات التى يمكن وصفها باطلاق سراح ، ذلك لأن مدة الحكم بشأنهم قد انتهت، وبعض من المساجين أطقل سراحهم فى نهاية الحرب العالمية الأولى حيث كانت إيطاليا من ضمن الحلفاء.إن هذا مجرد تاريخ واحد: ففى مارس سنة1916 وفى ديسمبر سنة 1919 وفى ديسمبر 1920 وفبراير سنة 1932 وسنة1936 وتوجد آثار لبعض من الأعمال المنسية ويصعب وجود سبب لتطبيها وأخرى لماذا لم يتمتع بها المنفيون؟.ويجب أن نذكر أن الصعوبات الناجمة عن هذا الموضوع تبدو من دراستها أحيانا ً كأنما هى مشكلة مفتعلة من لاشىء.إن الكثير يجب أن يعمل للإلقاء الضوء على هذا الموضوع الذى لا يزال يحاطه الإيطاليون بالسرية والذى له سجلات قليلة،من هذه الكارثة نتج أمر طيب وهو التضامن بين المعارضين للنظام فى البداية والمضادين للفاشيست الذين نفوا إلى الجزر نفسها مثل العرب وعوملوا مثلهم. 


*نقلا عن : الجوانب المجهولة عن المقاومة الليبية ، الليبيون المرحلون إلى ايطاليا، روماين راينيرو ، مجلة البحوث التاريخية ، طرابلس ، منشورات مركز الجهاد للدراسات التاريخية ، العدد2، يوليه، 1985، ص ص97-109.
** روماين راينيرو/ معهد الدراسات التاريخية،ميلانو، ايطاليا.


" عن مدونة الباح "

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

جميع الحقوق محفوظة

خواطــر ليبي

2016