-->

اخر الاخبار

جاري التحميل ...

أرحم بوي خلاَّني هواوي للشاعر عبدالمطلب الجماعي

دراسة وتحليل
مفتاح ونيس اسويري .. 
( صحيفة قورينا . السبت, 20 نوفمبر 2010 13:40 )




أول ما تلاحظه في هذه القصيدة ، أن الشاعر بدأ محاولًا الدفاع عن صفة اشتهر بها ( ربما يكون كثرة التجوال والترحال ، أهذا هذا ما توحي به القصيدة )

أي أن الشاعر كان مستثارًا فقال :

أرحم بوي خلاني أهواوى             كيف النجم في قلب السماء

وهواوى : منطلق غير مقيد الحركة ، مثل النجم الساري ، والكلمة ربما تكون مشتقة من ( هوأ ) وفي الفصحى: هوأ : هاء بنفسه إلى المعالى : رفعها والهوء: الهَّمة والرأى الماضي.

والترحُّم جاء هنا لربط واقع الحال بالنشأة التي أنشأه عليها والده ( هواوى ) رادًّا ذلك إلى عدم وجود ما يحد من انطلاقته وترحاله الذي بينه في قوله:

لا لي غرس منبوته سناوي             ولا زيتون معصاره زوى

ولاني من قصيرين الخطاوي           ولاني من حماميل الصغاء

ولاني من عديمين الفتاوي              نصلّي بالتراب حذا الماء

فهو لا يملك غرسًا ولا زيتونًا ، ولا معصرة زيتون ، ولا هو من الذين يكرهون الترحال والسفر ( قصيري الخطاوي ) ، ولأنه ( أهواوى ) فإنه لا يحتمل ( الضيم ) مهما كان مصدره ( لاني من حماميل الصغا ) ، ثم أن له عقلًا راجحًا ،



يستطيع أن يتصرف به في كل المواقف ، وليس كأولئك الذين يتيمامون بالتراب بالرغم من وجود الماء ، وهذا دليل على قصور تفكيرهم وجهلهم ، لأنه ( إذا حضر الماء بطل التيمُّم )  ، وهؤلاء هم من وصفهم في البيت التالي بقوله:

كيف البوم يبقوا في الخلاوي          نين يْموُّتوا تحت الغطاء

البوم : لا يحب الترحال والهجرة مثل الطيور الأخرى ؛ بل يألف المكوث في الأماكن الخربة والمهجورة ، بينما وصف نفسه بقوله:

وحتى الصقر ركَّاز العلاوي           إن جاه الضيم من وكره جلا

ونا هو الطير لربد بوجلاوي          عندي البعد والدَّاني سوا


والصقر ( الذي شبَّه به نفسه ) هو أعلى الطيور منزلة ، ودائمًا ما يضطر للهجرة من وكره إذا ما تعرَّض ( للضيم ) وكأنه بهذا التشبيه يريد إن يبين للسامع أنه لا يعيبه وصفه لنفسه ( بالهواوي ) كونه بدويًّا ، والبدو رُحَّل و( عزّ البوادي كل يوم رحيل ) وهذا اتضح في قوله:

بوادي بَرّ في منع الشهاوي            انقيموا صبح ونشيلوا غدا

وقد رأينا بأن أسلوب الشاعر يتسم بالبساطة والتدفق بعفوية وتلقائية دون حاجة إلى شرح الألفاظ وفك التعابير بعيدًا عن النثرية والتقرير ، لا أن الانتقال من معنى إلى آخر يتم في القصيدة مباشرة ، فصارت القصيدة وكأنها مجزأة ، ولكنها جزئيات متلاحمة ذات دلالات ، وهذا ما نلاحظه في قوله :

رْقاب الرال وخشوش الفجاوي       ياتن بالفرج للِّي مشى

دواء للحيّ ما كيفه أمداوي          ركوب القود هزَّتَّه شفا

تفضِّي البال لاجت في السَّراوي      وتصبح في ضحاضيحًا أخرى

فالسفر إلى حيث يوجد صغار النعام ( الَّرال ) والأمكنة البعيدة المتسعة (خشوش الفجاوي ) فيه متعة وتسلية وتخفيف هم ( ياتن بالفرج للِّي مشى ) ، الم يقل الشاعر العربي :

تغرِّب عنِ الأوطانِ في طلبِ العلا        وسافر ففي الأسفار خمسُ فوائدِ

تفرُّجُ همَّ واكتسابُ معيشةٍ        وعلمٌ وآدابٌ وصحبةُ ماجدِ

ولو أن الشاعر العربي قد ربط الغربة والسفر ( بطلب العُلا ) فإن دافع ( الجماعي ) للسفر كان بسبب طبيعته البدوية المتأصلة :

بْوادي برّ في منع الشَّهاوي            نْقيموا صبح ونشيلوا غدا

حيث اتخذ الشاعر من الإبل وسيلة لركوبه وترحاله ، مصوِّرًا ركوبها وهزتها للجسم بالدواء الشافي ، منتقلاً إلى وصف الإبل ( وصفًا عامًا ) كقوله:

مراكب مو معدلها أسطاوي            قصورًا مو مْعلِّيها بنا

طْيور مغير ريشهن هبهباوي                تطوي لأرض كي طيّ الكساء

ولأن الشاعر يستعمل الإبل في ترحاله فنراه قد تغاضى عن أوصاف الإبل الكثيرة ودون ذكر ألوانها كعادة الشعراء ، واهتمَّ بسرعتها وقوتها وفضلها ، وهذا ما لاحظناه في الأبيات السابقة:

* مراكب مو معدلها أسطاوي ( فهي سفينة الصحراء )

* قصورًا مو أمعليها بنا ( دلالة على ضخامتها ).

* طيور مغير ريشهن هبهباوي ( دليل سرعتها وخفتها ) مشبِّهًا سرعتها كطي الكساء ، وهذا ما عبَّر عنه أحدهم وهو من فوق ناقته:

كم قور قابلها وباتت دونه            وأصبح وراها عاقبات قرونه

قلت ـ تغاضى الشاعر عن ذكر ألوان الإبل ، لأن محور حديثه يدور حول الإبل كرفيق اختاره في أسفاره ، حيث تركَّز اهتمامه حول حسن اختياره لهذا الرفيق ( الرفيق قبل الطريق ) ، وهل يجد في هذه الأرض الصحراوية رفيقًا خير من الإبل لمميزاتها العديدة لاحظ قوله:

وتشيل الزاد وتشيل الرواوي

ويشفق سيدها عَ الزاد شاوي

صبَّاره على منع الشهاوي

يا مكسوب من لا له تقاوي

تزازي بيه في أكتار الحطاوي

وتبقى باركة والجوف خاوي

وتحطي تمر من روس الذراوي

وتركِّب سيدها وقتًا عيا

ويأكل وهي احذاه امعقَّلا

لا ما خصّ مرتوع الوطا

ياجدَّةْ قزازين الضنا

وتمشي دمعته وقتًا بكا

ويصبح راكبك بين العرا

وتصبي بر من ثديك شفا

فهل يجد الإنسان رفيقًا خير من ذلك الذي: يحمل مؤنته ( الزاد ) وماءه ( الرواوي ) ويمتطي ظهره وقت تعبه ، ويتحمَّل الجوع ( صباره على منع الشهاوي )

رفيق وصف ( بالجدة ) التي تشفق على أحفادها الإيتام ( قزازين ) ثم نراه يجمل كل هذه الأوصاف في قوله:

أجواد ما تملى مِ العطاوي     سوق مدينتك كلَّه رخا

أنتَ خير من كنز الجداوي    عطيَّةْ ربّ عاطينا أبها

أجواد لأنها ، عون ( لسيدها ) في كل الظروف القاسية ( قلة إمكانيات وصعوبة طريق )

فالعطاوي : من عطاء وهو ما لا تفتقره الإبل ( عطاء دائم ) لاقترانه بوصفها بالأجواد والسوق ، فاستحقَّت وصف ( عطيَّةْ ربّ ) وأفضل من ( كنز الجداوي ) أي الأجداد .

ولأنها كذلك فإنها تحتاج إلى معاملة متميِّزة في كل الظروف ، ففي وقت الراحة والاطمئنان يقول:

في الرَّاحات تبغيلك شفاوي           دريًّا ما يشيلها حوا

يرقابها بساطًا جندلاوي               وياكل بها دويرات العفا

وشفاوي : من شفاء أي لين الجانب ودريًّا : صاحب دراية بالإبل وشؤونها.

وجندلاوي : بعيد قصي ، والعفا : ما لم يرعَ من قبل ، فجمع ( الراعي والمكان ) هنا جمع ( العفاء والشفاء ) يقولون ـ اللهم أجعله عفاءً شفاءً ، وكلمة ( الراحات ) هي التي جلعت الراعي ( يرقابها بساطًا جندلاوي ) لتوفير عامل الطمأنينة ، فلا خوف من غزاة ولا قطَّاع طرق.

أما ( في الكربات ) أي الخوف فإنها تحتاج إلى راعٍ آخر مختلف:

في الكربات تبغي ديدباوي            خْشوم النجع ما يفارق بْها

وراكب فوق من عالي الشواوي      وإن جنها قوم عنها أيعنها

فالراعي الأول ذهب بعيدًا لأن الوقت ( راحات ) ، أما الثاني فلا يستطيع أن يتبعد كثيرًا وهو ما عبَّر عنه بقوله ( خشوم النجع ما يفارق بْها ) ، وخشوم النجع ، تشبيه لموضع الأنف من الرأس ( المقدمة والالتصاق والوجود بين العينين ) وهو دليل على الحيطة والحذر لقوله في ( الكربات ) وهو جمع كرب ، مما جعل هذا الراعي يكون مستعدًا للمواجهة ( إن جتها قوم عنها أيعنها ) والعنّ : الصَّد والدفع.

وهكذا نجد الشاعر قد قسم هذه القصيدة إلى عدة جزئيات موظفة في خدمة ما يرمي إليه النص من أحداث المشاركة الوجدانية بين الملتقى والشاعر ، وهذا نوع من الخلق الفني نابع من صميم الحقيقة النفسيَّة التي يعيشها ويحسُّ بوهجها ، ولكن هذه الأجزاء مترابطة فكريًّا وشعوريًّا ، حيث صوَّرت هذه الأجزاء:

* وصف الحالة التي تركه عليها والده ( أهواوي )

* اعتزازه بهذه الحالة والرضى عن نفسه ( ارحم بوي )

* فائدة الارتحال والتجوال.

* الدخول للإشادة بالإبل وفضائلها وأعتبارها خير رفيق.

* مواصفات الراعي وقت ( الشدة والراحة ).

هذه الأجزاء ( المترابطة ) لم تخلّ بمضمون القصيدة ، فألفاظها تستمدُّ قدرتها على التأثير والإيماء من عموميَّتها ( كما يتحدث بها المتلقِّي ) دون أن تكون بعيدة عن مواقف الحياة اليوميَّة ، وقد لاحظنا تناغم الحركات والظلال المنسجمة مع الوزن الشعري في كل أبيات القصيدة.

ثم نراه ينتقل دون مقدِّمات إلى وصف إحدى معارك الإبل ، التي قد تكون واقعية ، أو هي من خيالات الشاعر ، وهذا أمر مألوف في الشعر الشعبي ، لابدَّ أن ما يهمُّنا كمتذوِّقين للشعر الشعبي أننا عشنا أحداث هذه المعركة المصوَّرة بكلِّ حوَّاسنا وانفعالاتنا ، وهذه دقة وصف تحسب للشاعر ، حيث سنقف عند بعض الأبيات في هذه الجزئية التي لا يمكن تجاوزها تاركين الأخرى ، وذلك لطول لقصيدة دون أن نخل بمتن القصيدة ودلالائها ومن ذلك قوله:

قليد الغزي طخّ ايمين قاوي            بكره أنتم نا وهلها سوا

وهذا البيت دليل على العنجهية والعدوانية التي جبلت عليها نفسيَّة ( قليد الغزي ) وهو الذي يمثل صورة الشر ، و( القليد) هو من تقلُّد أمر هؤلاء وتولي قيادتهم ثم قوله:

وطابن عَ المغيره بالسَّواوي            وشالن ليلهن كله سرا

وفي هذا البيت تصميم على أقران التهديد ( طخّ يمين قاوي ) بالفعل ( طابن ع المغيره بالسواوي ) أي اتفقوا على الغزو جميعًا ، ثم الشروع في تنفيذ التهديد ( شالن ليلهن كله سرا ) أي المسير ليلاً ، ثم قوله:

صلاة الصبح دوب الضيّ ضاوي             انهدَّن كيف هدَّات الغذاء

أي بداية المعركة بعد أن تنادى ( أسياد المال ) للمواجهة والدفاع ، وهو ما اتضح في قوله:

أشوي صار المعيَّط والمهاوي           وزام الطبل في جهة أخرى

وتمَّن يجردن فوق العلاوي             وجن غيَّار مي ساعة ونا

ورسم سوقهن عند الضحاوي        البايع باع والشَّاري شرا

ففي قوله ( المعيَّط والمهاوي ، وزام الطبل ) توضيح الأساليب النداء ( الفزعة )

وفي قوله ( يجردن ) استجابة للنداء ، وفي قوله ( مي ساعة ونا ) الاستجابة السريعة والونى: التأني ( لا وقت للتأني ) ، وفي قوله ( رسم سوقها عند الضحاوي ) وقت بداية المعركة، وفي قوله ( البايع باع والشاري شرا ) افتداء الإبل بالنفس واحترام الأمر ثم نراه يصف هذه المعركة بقوله:

تسمع حسن زنداته الدَّاوي

ذخيرة كيف تبرور التقاوي

تحلف خيل هلها ع الجلاوي

يْردَّن تقول ماسكتهن رساوي

يْهدِّن بيض من لبس الكساوي

تقول رْعود مزنه ماطر

سبيبه كيف ثيران الوسا

كما جراى في خيط السدا

ويهدَّن سريعات الخطا

ويردَّن حمر من نغر الدماء

حيث نرى في هذه الأبيات اختلاط أصوات الطبل بأصوات الذخيرة والحركة السريعة مثل ( الكر والفر )  المتكرر الذي ظهر في قوله ( كما جرَّاي في خيط السدا ) وقوله:

يردِّن تقول ماسكاتهن رساوي                ويهدَّن سريعات الخطا

والرسوة : شيء في الأرض أشبه بالوتد تُربط به الدابة أو غيرها بواسطة حبلٍ ، وفي هذا صورة أخرى للكر والفر ، ثم يصف هذه المعركة المحتدمة بقوله:

يومًا شين يا عوج اللَّغاوي             مْعَ لجواد ناره شايطه

تمراري نينتبقى حنظلاوي             وتحلي نين تبقى سكَّرا

أما قوله في البيتين الأخريين:

وعاد الخيل وأطفال العشاوي        والمردان وأصحاب اللحى

عذف وديان جابهن سيل قاوي       عَ الجالات راميهن عذا

فهذا يبين اندفاع الجميع وحركتهم في المعركة ، الذي شبَّهه بالسيل المندفع وقوته ، بينما تبيِّن كلمات ( أطفال العشاوي ) ـ المردان ( مالم ينبت شعر في ذقنه ) ـ ( أصحاب اللحي ) اشتراك جميع الأعمار في معركة الدفاع عن الإبل ، وهذا يؤكد ما قاله في بداية هذه القصيدة ( مي ساعة ونا ) ، فالإبل معنى وشرف ومال ، فلا قيمة للحياة إذا نهبت الإبل ولذا يقولون ( ان راح مالك ريح امعاه ) وإن كان المال في نظر البعض هو ( النقود ) إلا أن الإبل عرفت بهذا الاسم قبل أن يعرفون النقود ثم نراه يلخص نهاية هذه المعركة في ثلاثة أبيات وهي:

واللِّي مات داروله عزاوي            عليه الطار ينقح بالعصا

والمجروح جابوله أمداوي              وطق عليه عودي والكساء

وباتن خيل هلها في هناوي            وبات الغلب عَ اللِّي ما سعى

فمن مات ، مات مؤديًا لواجب الدفاع عن الإبل ، فأقاموا له واجب العزاء وبكته النسوة ( عليه الطار ينقح بالعصا ) وهي عادة جاهلية كانت سائدة وقتها .

أما الجريح فقد جاءوه بالطبيب ، وأحيط بكساء وجرد في البيت على شكل ( حجبه )

إلا أن الأهم هو أن أهل الإبل قد ظفروا بالنصر في النهاية وصارت اللائمة على الذين تخلفوا عن ( الفزعة ) ( بات الغلب على ما سعى ) وهذه مسبه ومعابه ، لا يود أحد أن يوصف بها ، ولذا نرى الشاعر يتمنى أن يكون حاضرًا لأي ( فزعة ) أو معركة للدفاع عن الإبل ، لاحظ قوله :

يا مولاي يا عوج اللغاوي             اجعنَّه يومكن حاضره نا

تحتي كوت أربد ديدحاوي            فيدي تونسي بزنادها

يما نموت ونزور المناوي                وإلاَّ هن يفوتنها قسا

واللِّي يْفوتها سليم العضاوي          أجعنَّه ديره لْخيل العدا

فكل ما يتمناه الشاعر أن يوفقه الله في حضور ذلك الصدام ( يومكن ) وقد ركب جوادًا سمينًا ( ديدحاوي ) حاملاً بندقيته ( تونسي بزنادها) وهو نوع من البنادق المعروفة وقتها، فإما يموت مفتديًا هذه الإبل وهذا نوع من الشهامة والفخر ، وأما يهزم خيل الأعداء فتولي الإدبار ( والاهن يفوتنها أقسا).

ولأن الدفاع عن الأبل واجب على كل قادر ( سليم العضاوى)فإنه يدعو الله إن يجعل كل متخاذل قادر ( ديره الخيل العداء ) ـ (أي تدور عليه دائرة هذه الخيل ).

وإن كان الغزاة يمثلون دائمًا أداة شر فإن ( الفزَّاعة ) والحماة هم الخيُّرون وهم المنتصرون دائمًا لأنهم يدافعون عن حقوق فطبلهم لا يضرب للعدوان ولكن يضرب لصد العدوان ـ والدفاع عن الإبل ، وقصص الغزو التي تناولها الشعراء في تلك السنين الغابرة لم تعد تمثل لنا إلا ( أحداث ماضية ) ولكن تركت لنا دلالة في الأدب الشعبي فصار يرمز بالدفاع عن الإبل بالدفاع عن كل غال كالأوطان و العرض و الشرف فقالوا :

* ( الفارس هو من يرد الإبل ) دلالة على الشجاعة وصدق الأفعال.

* ( قدع الخيل من عند أوجوهن ) أي التصدِّي المباشر.

* ( فارس يْعزّ قبيله ، وقبيلة ما تعزّ فارس ) لتبيان قيمة الفارس.

* ( ما فارس إلا فارس عقاب النهار ) الذي يستمر حتى نهاية المعركة ، فالأشياء بخواتمها. وقد أراد الشاعر إن يختم قصيدته هذه بترسيخ بعض المعاني في النفس التي استقاها من تجربته الطويلة وخبرته في الحياة ، فأوحى قائلاً:

انوصِّيك يا فاهم الوصاوي            كما كيَّات عَ الفاهق دواء

رفع الشوف ممنوع الشهاوي          راه أملاح في حق الفتى

أوجوه السو وصحاب الدواوي      عمرك ما تحاذيهم بدا

يما أتطيح في بعض الدعاوي           وإلاَّ يْطبّ في عينك حصى

فوصاته لمن يفهم الوصاة دون غيره ، وصاة فيها الشفاء مثل التداوي بالكي ، وهذا لتبين قيمة هذه الوصايا ، والتي أوجزها في قوله : إن الاعتزاز بالنفس ( رفع الشوف ) وعدم أتباع شهوات النفس ( ممنوع الشفاوي ) شيء يليق بكل فتى خلوق ( أملاح ) ، محذرًا من محاذاة الأشرار ( وجوه السوا ـ أصحاب الدواوي ) والدواوي في العامية جمع ( دوَّه) وهم أصحاب الخصومات والمشاكل ، يقولون: (أفلان دوَّته واجدة .. فلان موش صاحب دوَّه ) ، إن محاذاة ومرافقة هؤلاء أما توقعك فيما لا تحبّ ( بعض الدعاوي ) أو تجعلك ترى ما لا تحب رؤيته ( وإلاَّ يطب في عينك حصى ) والحصى هنا وإن كان يعني الحجرة الصغيرة إلا أنه في المعنى يمثل كل قذى يقع في العين فيؤلمها.

وبعد : فقد لاحظنا تضافر جزئيات هذه القصيدة فيما بينها ، حتى رسمت لنا صورة للشاعر ( الهواوي ) المنتشي بحب الانطلاق إلى الفضاءات الرحبة ، مثله مثل النجم الساري الذي يطوف بكل الأمكنة ، مستغربًا ومتعجِّبًا من موقف أولئك الذين حبسوا أنفسهم في حدود المكان ، وقد تعوَّدوا الركود والجمود مشبههم ( بالبوم ) الذي ألف الوحدة والحياة الراكدة ، وهذا يبرز ما يعتمل في نفس الشاعر من صراع بين الحياة الأسنة وحب الانطلاق متأثرًا بتنشئة أبوية ،وعادة بدوية متأصلة ، رافضًا للإساءة ، مفتخرًا بامتلاكه لعقل راجح يستفتيه في كل أموره.

شاعر بهرته الحياة الواعدة الباسمة ، فنراه يصور جمال هذه الحياة السفر نحو الأماكن القصية ، حيث يوجد النعام والفجاج الممتدة ، إلى حيث تجد النفس المضطربة مجالاً رحبًا للتنفيس عن مكنوناتها والتخفيف من حدة مشاعر كمدها وغمها.

مثل هذا الشعر هو مرآة للنفس الشاعرة المهتاجة المفتونة بالطبيعة الأسرة التي اتضحت لنا من خلال التمازج بين الفكرة وبين مكوِّنات نفس الشاعر مما جعلنا نحس بوقع هذه القصيدة صورة وتعبيرًا.

ولأن مشهد الرحلة لا يكتمل إلا بوجود ( رفيق السفر ) فقد رأينا أن الشاعر يختار الإبل دون بقية الدواب كرفيق يوثق به في هذه الدروب الوعرة لسببين اثنين:

أولهما : خبرته ومعرفته بهذا الحيوان ( طباعه وقوة احتماله ).

ثانيهما : حب النفس البدوية لهذا المخلوق ، التي عبر عنها الشاعر إبراهيم بوجلاوي خير تعبير بقوله ( يا مشرَّفة عن كافة المكسوبة )

حب جعلها رمزًا لكل ما يستحق الموت في سبيله وكل ما يفتدى ، وهذا ما جعل الشاعر يصف لما معركة حامية الوطيس دافعًا عن هذا الرمز ( الإبل )بين خيل غازية وخيل مدافعة ، متمنيًا أن لا يفوته شرف الدفاع عن الإبل في أي يوم :

يا مولاي يا عوج اللغاوي             أجعنَّه يومكن حاضرة نا

وعلى الرغم من أن الشاعر كان رومانسيًّا عندما عبر عن ذاتيته ( هواوي ) وكان مصوِّرًا عندما صوِّر لنا معركة جرت دفاعًا عن الإبل ( سواء كانت حقيقته أو كانت من نتاج مخيلته الشعرية ) وكان حكيمًا عندما ختم قصيدته بعدت وصايا ، أشبه ما تكون بحكم المجربين ، إلا أن الذي يهمنا أن الشاعر لم يقف عند حدود القافية والوزن والسردية وأنما عرف كيف يوظف القصيدة فيما يخدم أغراضه ، فبدت القصيدة صورة لتجربة شعورية متكاملة.

* ارجع لديوان الشعر الشعبي الجزء الأول للاطلاع على هذه القصيدة.
Unknownيقول...

بارك الله فيكم علي المحافظه علي ثرات ليبيا

Unknownيقول...

بارك الله فيكم

Unknownيقول...

نبي القصيده اتكون امع بعضها بيش نحفظها عندي وبارك الله فيكم

Unknownيقول...

اية الله العضمى مقرحي

Unknownيقول...

نن

Unknownيقول...

يعلم الله اسسسسلمتوا

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

جميع الحقوق محفوظة

خواطــر ليبي

2016